مقالات مختارة

1

أحسن الحسن (1)

2

حلية طلاب الجامعة

3

الأمن والإيمان (1)

4

الأمن والإيمان (2)

5

أحسن الحسن (2)

6

الإسلام والسلام

7

السعادة في الإجازة

8

سنن مهجورة يوم الجمعة

9

يوم عاشوراء

10

أحسن الحسن (3)

 



أحسن الحسن ( أ )

( بسط الوجه )

الحمد لله الذي شرع الدين هداية للمؤمنين، ووفق من شاء للتمسك بمكارم الأخلاق والدين، فضلاً من الله ونعمة، والله عليم حكيم، أما بعد: فإن الإسلام دين الأخلاق الفاضلة، والسجايا الحميدة، وهو دين يدعو إلى التحلى بالخلال الكريمة، والصفات النبيلة، ويرغب الناس في أن يحسنوا أخلاقهم، ويحضهم على أن يهذبوا طباعهم. والإسلام يرفع صاحب الخلق الحسن إلى مرتبة سامية، ودرجة عالية، لايكاد يصل إليها الإنسان إلا بحسن الخلق، وكريم الصفات، ذلك أن الإسلام يربط بين حسن الخلق وكمال الإيمان برباط وثيق، فبمقدار حسن خلق المسلم يكون كمال إيمانه، وتمام إسلامه. روى الإمام الترمذي رحمه الله بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً ). وروى الإمام أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال : ( إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خُلُقاً ).

ولابد للمرء أن يتساءل: ماهو حسـن الخلق على التحديد؟ وقد أجاب على هذا كثير من أهل العلم، غير أن أكثرهم توفيقاً في الإجابة – والله أعلم – هو الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى، حيث قال: "حسن الخلق: بسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى ". فهذه الكلمات الثلاث جمعت خصال الخير من أطرافها.

فأولها: التبسم في وجوه المسلمين، وطلاقة الوجه عند ملاقاتهم، وانفراج الأسارير عند التحدث إليهم، فهذه الأمور تدخل السرور إلى قلوبهم، والرضى إلى نفوسهم، خاصة إذا كانوا من ضعفاء المسلمين أو فقرائهم أو عامتهم، مما يمكّن أواصر المحبة والمودة في القلوب، ويقوي روابط التعاون والتآزر بين المسلمين. بل إن تبسمك أيها القارىء الكريم في وجه أخيك المسلم صدقة تُثاب عليها.

روى الإمام الترمذي رحمه الله بإسناد صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ). وروى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : ( لاتحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق ). وإذا كان الأمر كذلك فالأجدر بك أخي المسلم أن تحظى بهذه الأجور العظيمة، والمكانة الجسيمة، والأولى لك ألا تُرى إلا هاشاً باشاً، متهللاً متطلقاً، فإن كان ذلك سجية فيك، وطبعاً من طباعك، فاحمد الله تعالى على ذلك، وعليك أن تتعاهد هذه الخصلة الكريمة، والصفة الشريفة من نفسك، وإلا فعليك أن تجاهد نفسك على تكلف البشر والطلاقة، وعلى تجنب العبوس والتقطيب جملة، حتى تألف ذلك نفسك، وحتى تأنس به أنس الرضيع بثدي أمه. حينئذٍ تَرِقُّ حواشيك، وتلين عريكتك، وتُؤنس في حديثك، ويرغب في مجلسك، وصدق القائل: [وما اكتسب المحامد حامدوها ::  بمثل البشر والوجه الطليق].

قال الإمام ابن حبان رحمه الله: " البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البشر يطفىء نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي" اهـ . فمن أحب أن يكثر الثناء الجميل عليه من الناس بغير نائل فليلقهم ببشر حسن، ومن أراد أن يكسب رضا الناس على اختلاف طبقاتهم فعليه بحسن الخلق ومكارم الأخلاق، فإنها تحبب العبد إلى أعدائه، ومن رغب في التزين بأجمل الحلل، والتحلي بأحسن الحسن، فعليه بالخلق الحسن .

ألا وإن سوء الخلق ينفر عنه أولاده وأصدقاءه وأقرباءه وجيرانه. قال الله تعالى: ﴿ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. ألا وإن كرم الأخلاق من أسس الشريعة الحنيفية وعمادها، وغايتها وغرضها، فلا دين لمن لاخلق له، ولاخلق لمن لادين له، ولهذا ندبنا الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم r إلى الأخلاق الفاضلة، والسجايا الطيبة، والشيم العالية، ونهانا عن سَفْسَافِها وذميمها وسيئها وفاحشها.

ألا وإن العبوس وتقطيب الحواجب واكفهرار الوجوه ليس من الدين في شيء، ولاهو سمة المتمسكين بالسنة، بل هو مخالف للسنة الشريفة، فكم من الناس لانراه إلا عابس الوجه، مقطب الجبين، لايعرف التبسم واللباقة، ولايوفق للبشر والطلاقة، بل إنه ينظر إلى الناس شزراً ، ويرمقهم غيظاً وحنقاً، لا لذنب ارتكبوه، ولا لخطأ فعلوه، وإنما هكذا يوحي إليه طبعه، وتدعوه إليه نفسه، وهذا الخلق الذميم مركب من الكبر وغلظ الطبع، فإن قلة البشاشة استهانة بالناس، والاستهانة بالناس تكون من الإعجاب والكبر. وقلة التبسم – وخاصة عند لقاء الإخوان – تكون من غلظ الطبع، وهذا الخلق مستقبح، وخاصة من الرؤساء والمسؤولين والمدرسين والأفاضل، فالعبوس ومايستتبعه من كآبة واضطراب نفس دليل على صغر النفس.

وأما النفوس الكبيرة فيكتنفها جو السكينة والطمأنينة. قيل لحكيم: مَن أضيق الناس طريقاً، وأقلهم صديقاً ؟ قال: "مَن عاشر الناس بعبوس وجه، واستطال عليهم بنفسه" اهـ . دخل بعض الطيبين إلى محطة بنـزين؛ ليتزود بالوقود، وعندما جاءه عامل المحطة، سلّم ذلك الرجل على العامل وهشّ له وبشّ في وجهه، وسأله عن حاله، فشكره ذلك العامل على بشاشته وحسن خلقه، وقال له: أنا أعمل في هذه المحطة منذ عدة سنوات، ولم ترَ عيني مثلك في حسن الخلق، والسؤال عن أمثالي من العمال والمستضعفين، فكان لتبسمه في وجهه أثر طيب، ومردود جميل.

فالله الله يا أخي القارىء الكريم – وفقك الله لأحسن الحسن، وأمدك بروح منه، وزيّنك بزينة الإيمان - لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى إخوانك بوجه طليق، وتبسم يليق .

إعداد :

د. محمد بن عبد الله الحلواني

 

=================================================================================

 

حلية طلاب الجامعة

إن طلب العلم من أفرض الفرائض، وأوجب الواجبات؛ لأن عليه المدار في القيام بالطاعات، وترك المخالفات ، وطلبه قربة وثواب عند رب العالمين ، والإعراض عنه شر وخسران مبين ، وإن خير أفراد المجتمع هم الطبقة المتعلمة التي نذرت نفسها لخدمة الشريعة ولخدمة المسلمين في أي مجال من مجالات العطاء الإنساني في ظل توجيهات الإسلام وأحكامه العادله ، ونظمه الرشيدة .

ولكن ما الدور الذي يؤديه طلاب العلم في هذا الزمان ؟ وهل رسالة التعليم على المستوى المطلوب من حيث التأثر والتأثير ؟ وهل تأثر كل متعـلم ودارس في أخلاقـه وسلوكه بما علم ؟ أم قلد غيره فيما يضر ولاينفع . وهل جدّد كل طالب نيتـه في طلب العلـم ليكون ابتغاء مرضاة الله ؟

هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها ، وهي بحاجة إلى إجابة شافية كافية عنها ، ومن أهمها : السؤالان الأخيران .

ففي الصحيحين عن أمـير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما كل امرىء مانوى ) وهذا الحديث الشريف من جوامع الكلم ، وفيه أشرف أنواع العلوم والحِكم .

فالنيــة بها تميز العبادات عن غيرها ، وبإخلاصها يعظم أجرها ، ويفوز العامل بفضلها . فعلى طلاب العلم أن يجعلوا دراستهم لوجـه الله، وابتغاء مرضاة الله، فمن طلب العلم يبتغي به وجه الله فهو في جهادٍ ورفعةٍ وزيادة ، وعليهم أن يجدِّدوا النية الحسنة في التحصيل العلمي ، ويروِّضوا أنفسهم على أنهم لايريدون بطلبهم العلم شهادةً أو وظيفة أو منصباً أو جاهاً ، بل يطلبون ذلك ابتغاء وجه الله ، فإن جمع الله لأحدهم حُسن النية مع الوظيفة فهذا خير على خير ، وإن فقد طالب العلم النية الصالحة وتوجّه إلى التعلم لمجرّد الحصول على المؤهّل والوظيفة فهذا التصرف خيانة لنفسه ولدينه ولأمته ، وإن خسرها فقد خسر الحسنيين . والواجب على طلاب العلم عامة وطلاب الجامعة خاصة أن يكونوا أكمل الناس أدباً ، وأشدّ الخَلْق تواضعاً ، وأعظمهم نزاهة وتديناً ، وأقلّهم طيشاً وغضباً . فهذه أجمل حلية وأبهى زينة لطلاب العلم .

وإن الناظر في أحوال بعض طلبة الكليات اليوم يرى أمراً عجباً  . فعندما فُقدت النية الصالحة في طلب العلم نراهم يسلكون مسالك عجيبة ، ويلبسون ملابس غريبة ، فمنهم من يدخل الجامعة ، ويحضر المحاضرات ، وهو لايستشعر أنه سوف يدخل صرحاً من صروح العلم ، أو داراً من دور التربية والتعليم ، يدخل الكلية وقد استحكمت النعومة فيه ، فصار شاباً ناعماً فاقداً للغيرة ، مبتعداً عن صفات الرجولة ، متنكراً لآداب دينه ، يقلد أعداء الله في لباسـه وهيئته ، وإطالة أظافره ، وتختمه بالذهب ، وقصة شعره ، فنراه يقص شعره من جانبيه ويترك مقدمته ومؤخرته طويلة ، أو يقص شعر رأسه من جميع الجوانب ماعدا الوسط ، أو يتفنن في قص لحيته بأشكال غريبة وعجيبـة لم نرها من قبل . فأين الشيمة ؟ وأين الغيرة ؟ وأين الخوف والخجل ؟ وأين آداب طالب العلم ؟

وانتشر التبرج في صفوف بعض الطالبات إلا من رحم الله ، فإذا اتجهنا إلى ثياب طالبة العلم وجدناها مُسْرِفة في عددها وزخرفتها وتصميماتها ، تعلن الحرب على تعاليم الإسلام ، وجُلّ همِّها متابعة مجلات الأزياء لتحاكيها ، ومبلغ علمها معرفة الموضات الحديثة لتجاريها .

ومن الموضات التي انتشرت بين الطلاب والطالبات لبس البنطلونات الجينـز القديمة البالية المرقّعة والمقطعة والتي تدل على أن لها مدة طويلة من الزمن لم تستبدل ولم تغسّل . ولو عرف شبابنا أصل هذا اللباس القديم البالي لما أقدموا على محاكاته ولبسه . فأصل ذلك أن الرجل الغربي يلبس هذا اللباس ولا يغيره لأشهر عديدة ، فيظل لابساً هذا البنطلون شهراً و شهرين ، أوسنة وسنتين ، ولا يبدله ولا يغيره حتى يتغير لونه ويصبح قديماً مقطعاً مشققاً ، وإذا دخل دورة المياه فإنه لايستخدم الماء ، بل يستخدم الورق ، فكيف يكون حاله ؟ وكيف تكون رائحته ؟ إنه يصبح جيفة قذرة ، فينفر منه الناس لنتن رائحته وقبح منظره ، ولكن من عجائب هذا الزمان أن يصبح هذا اللباس موضة يتسابق عليها الشباب والفتيات ممن استهوتهم الموضات السخيفة ، فيقلدوهم في موضاتهم ، ويحاكوهم في لباسهم وعاداتهم . وإنني أسألهم كيف يقلد المسلم الطاهر النظيف ذلك الكافر النجس الذي لايتطهر ولايغتسل ؟ ولماذا نقلدهم في هذه الأشكال التي تضـر ولاتنفع ، ولانقلدهم في الدقة والنظام وطول النفس في البحث العلمي ؟

إن المؤمن عـزيز ، مستعلٍ بما معه من الحق كما قال تعالى : } ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين{  ]المنافقون : 8[ ، وقال تعالى : } وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين { ]آل عمران : 139[ . إن طالب العلم المؤمن بالله عز وجل هو الأعلى عقيدةً وتصوراً ، هو الأعلى خُلُقاً وسلوكاً ، هو الأعلى شريعة ونظاماً ، فكيف يتناسب مع هذا الاستعلاء أن يقلد عادات الكفار ويحاكي تقاليدهم ؟ لذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن تقليد الكافرين في أي مظهر من المظاهر ، أو صفة من الصفات ، أو عمل من الأعمال ، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " . والتشبه والتقليد مبعثهما محبة المقلَّد الكامنة في قلب المقلِّد . فالتشبه بهم في الظاهر يؤدي إلى محبتهم في الباطن. وكيف نحبهم وهم لايحبوننا ، قال الله تعالى : } ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم { ]آل عمران : 119[ .

ألا وإن الذي يقضي على هذه الفتن التي انتشرت بين الطلاب والطالبات هو حُسن الرعاية والتربية الصالحة ، وأن نغرس في نفوسهم احترام الإسلام والالتزام بتعاليمه والمحافظة على آدابه قولاً وعملاً واعتقاداً ، والتحلي بحلية طلاب العلم ، التي من لبسها نجا ، ومن رغب عنها هلك .

وعلى الآباء والأمهات أن يحيطوا أبناءهم وبناتهم بسياج الدين ، فلايجد الابن أماً تخلّت أو أباً مشغولاً ، بل عليهم أن يتفقدوا أحوال أولادهم من جميع النواحي ، ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عند الزواج بالبحث عن ذات الدين ؛ لأنها تكون صالحة في نفسها ، مصلحة لغيرها ، وتنتج ذرية صالحة بإذن الله ، فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق .

وإليكم هذه القصة التي ينبغي أن نستحضرها عند تربية أولادنا ذكوراً وإناثاً ؛ لما جاء فيها من حميد الخصال ، وجميل المقال : فقد رُوي أن شيخاً من حِمْير عُرف في قومه بالحكمة والفطنة ، فلما كبر وامتد به العمر ، ابتلي بالمرض ، فصبر ، فلما أشرف على مفارقة الدنيا – وكان له ولدان عمرو وربيعة – أحضر ولديه يريد أن يختبر عقلهما ، ويعرف مبلغ علمهما ، ومدى تأثير التربية بهما ، فدار بينه وبينهما الحوار التالي :

قال لابنه الأكبر عمرو : أيُّ النساء أحبُّ إليك ؟ فقال عمرو : التي إن أحسنتُ إليها شكرت ، وإن أسأتُ إليها صبرت ، وإن استعتبتها أعتبت ، الفاترة الطرف ، الناعمة الكف .

قال الوالد لابنه الأصغر : ماتقول ياربيعة ؟ قال : قد وصف أخي فأحسن ، وغيرها أحب إليّ منها . قال : ومن هي ؟ قال : الشاكرة للقليل ، المساعدة للحليل ، الرخيمة الكلام ، الكريمة الأخوال والأعمام . قال الوالد : فأي الرجال أحب إليك ياعمرو ؟ قال : السيد الجواد ، القليل الأنداد ، الماجد الأجداد ، الكثير الحساد ، الباسل الذّوّاد . قال الوالد : ماتقول ياربيعة ؟ قال : ما أحسن ما وصف ، وغيره أحب إلي منه . قال : ومن يكون بعد هذا ؟ قال : السيد الكريم ، المانع للحريم ، المفضال الحليم .

قال الوالد : فأي النساء أبغض إليك ياعمرو ؟ قال : الفتّانة الكذوب ، الظاهرة العيوب ، الطوافة الهبوب ، العابسة القطوب ، السبابة الوثوب ، التي إن ائتمنها زوجها خانته ، وإن لان لها أهانته ، وإن أرضاها أغضبته ، وإن أطاعها عصته . قال الوالد : ماتقول ياربيعة ؟ قال : بئس والله المرأة التي ذكر ، وغيرها أبغض إلي منها . قال الوالد : ومن هي ؟ قال : التي شقي صاحبها (زوجها) ، وخزي خاطبها ، وافتضح أقاربها . قال الوالد : انصرفا الآن ، وقد اطمأن قلبه على حُسن تربيته .

وهكذا المسلم والمسلمة ينبغي لكل منهما أن يتعاهد مَن تحت يده بالتربية الحسنة ، والتفقد لأحوالهم ، ومعرفة مايدور في عقولهم ، والجلوس معهم والسؤال عنهم ومناقشتهم في الأمور المهمة والأشياء التي يحتاجونها ، حتى يطمئن على تحصينهم مما قد يكون سبباً في شقائهم ، والله أعلم .

  

إعداد :

د. محمد بن عبد الله الحلواني

 

============================================================================

 

الأمــــن والإيمـــــان (1)

 

إن الحياة لاتطيب للناس إذا فقدوا فيها الأمن والأمان ، وإن السعادة لايدركها البشر إذا فقدوا حقيقة الإيمان ، ولا أمن للمسلمين بعيداً عن الشريعة الإلهية ، ولا أمان للبشر بعيداً عن المناهج الربانية ، فإذا ضــاع الإيمـان فلا أمــان ، ولا دنيا لمن لم يُحيي دين الله ، ولا سعـادة لمن لم يطبق شريعة الله .

ألا وإن الحياة الهنيّة ، والعيشة النقيّة ، والميتة السويّة ، تكون لمن آمن برب الأرض والسماوات ، وعمل صالحاً وسابق في الخيرات ، وابتعد عن المعاصي والظلم والمنكرات ، قال الله تعالى : } مَنْ عَمِلَ صَالحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِـيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَن مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ { .

ولقد جاء ذكر الأمن في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ؛ تنويهاً على أهمية منـزلته ، وعظيم شأنه ، ولذا فقد كان من فقه نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما دعا لمكة المكرمة – شرَّفها الله وحرسها من كل سوء ومكروه – ضمَّن دعاءَه طلبَ الأمن لها ، كما أخبر الله تعالى عنه بقوله : } رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ { .

فطلب الأمـن مُقـدَّم على طلب الغذاء ؛ لأن الخائف لا يتلذّذ بالغذاء ، ولا يهنأ بالنوم ، ولا يطمئن في مكان ، ولهذا دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لمكة المشرفة بتوفير الأمن قبل توفـير الرزق } رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمنـاً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ { .  

والأمن الحقيقي لا يكون إلا بطاعة الله في القول والعمل، وفي السر والعلن ، وترك الظلم والشرك ، ومما يؤكّد هذا المبدأ العظيم قول الله تعالى : } الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون { .

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : " أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لاشريك له ، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة " . ومن الأدلة على أن الأمن الحقيقي لا يكون إلا بطاعة الله وعبادته قوله تعالى : } فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُـمْ مِنْ خَـوْفٍ { . قال الإمـام ابن كثـير رحمه الله تعالى : " أي تفضّل عليهم بالأمـن والرُّخص ، فليفردوه بالعبـادة وحده لا شريك له ، ولا يعبدوا من دونه صنماً ولا ندّاً ولا وثناً، ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه ، كما قال تعالى : } وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيْهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَـوفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون { " اهـ .

ألا وإن الأمن والإيمان ، والسعادة والاطمئنان لاتنال بالنوم والكسل ، والتباطؤ والتقاعد ، والسير وراء الشهوات والشبهات، واتباع الهوى والضلالات، ولا تتحقق باتخاذ كتاب الله وراءهم ظِهْرِيّاً ، ولا بجعل سنة رسول الله r نسياً منسيّاً .

إنما الأمن والأمان ، والسعادة والسلطان ، لمن أدّب نفسه بآداب الدين ، واقتفى سنة خاتم النبيين ، وجعل الإسلام له إماماً ، وعَلَم الحق لطريقه مناراً . مَن أراد الأمن والأمان والسعادة والاطمئنان ، فلا يهتمنّ بالمحن والشدائد في سبيل أداء الواجب ، ولاتهمنّه رزايا الأعـداء وأُحْبُولاتهم ، وما يدبّرونه من مكرٍ وخديعة .

فأعداء الإسلام يُحسنون التدمير والتفجير وزعزعة الأمن والقتل والإبادة والتشريد ، ولكنهم لايُحسنون استتباب الأمـن ، ولا يعرفون احترام الحقوق ، ولايدركون إنسـانية الإنســان ، ولا كرامة الشعوب والأوطان .

أعداء الإسلام يتلذّذون بكثرة الهَرْج والمَرْج ، ويفتخرون بإسقاط الأنظمة ، ولكنهم لايعرفون البناء والإصلاح الحقيقي ، بل يعجزون عن إقامة نظام صالح ينفع البلاد والعباد . أعداء الإسلام يزعمون نشر الأمن والعدالة في العالم ، وهم يفتقدونها في بلدانهم ، وفاقد الشيء لا يعطيه .

ألا فليعلموا علم اليقين أن الأمن في البلدان ، والأمان في الأوطان ، لا يكون إلا بتحكيم دين الإسلام ، والسير على منهج سيد الأنام r . وأما من استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، من استبدل القوانين الوضعية والأنظمة البشرية بالإسلام ، فلن يحصل له الأمن التام ، بل سيزيد خوفه وفزعه ، وخير مثالٍ شاهدٍ على ذلك : ما يصيب الدول الكبرى من عدم الأمن والاستقرار ، فحدّثوا عن هتك الأعراض ، وسفك الدماء ، وعصابات الإجرام ، وضياع الحقوق ، وإهدار الكرامات والحرمات ، وانحلال الأواصر والروابط .......

وهكذا كلما ابتعد الناس عن حكم الله فلن يهنأوا بعيش ، ولن يدوم لهم أمن ، بل ينقلب أمنهم خوفاً ، وسعادتهم شقاءً . قال شيخ الإسـلام ابن تيميــة رحمه الله تعالى : " فمن فرّ من حكم الله ورسوله أمراً ونهياً وخبراً ، أو ارتد عن الإسلام أو بعض شرائعه خوفاً من محذور في عقله أو عمله أو دينه أو دنياه ، كان مايصيبه من الشر أضعاف ماظنه شراً في اتباع الرسول r " .

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ علينا وعلى المسلمين نعمة الأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ونسأله سبحانه وبحمده أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من شرور الأشرار ، ومن كيد الفجار ، ومن فتن الليل والنهار . ونعوذ بالله من زوال نعمته ، وتحول عافيته ، وفجاءة نقمتـه ، وجميع سخطـه . وألا يسلط علينا بذنوبنا من لايخافه فينا ولا يرحمنا ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، وصلى الله وسلم على خير خَلْق الله ، نبينا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .

إعداد :

د. محمد بن عبد الله الحلواني

 

============================================================================

 

الأمــــن والإيمـــــان (2)

 

ذكرنا في الجزء الأول من هذه المقالة أن الحياة لاتطيب للناس إذا فقدوا فيها الأمن والأمان ، وأن السعادة لايدركها البشر إذا فقدوا حقيقة الإيمان ، فإذا ضاع الإيمان فلا أمان ، ولا دنيا لمن لم يُحيي دين الله ، ولا سعادة لمن لم يطبق شريعة الله .

ألا وإن مقاصد الشريعة الإسلامية العامة تحوي جميع ما جاءت به تأصيلاً وتفريعاً في دائرة حفظ الضروريات الخمس ، ويقال : الكليات الخمس ، وهي الدين والنَّفْس والعقل والعِرْض والمال ، وإن حماية هذه الكليات الخمس ، ودفع المفاسد عنها، واجب على كل مسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وخاصة في هذا الزمان ، الذي كشف لنا عن أسوأ مخطط شيطاني لحرب الإسلام .

ألا وإن المجتمع الإسلامي الذي يهتدي بهدي الله , ويستنّ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسير على نهجه وطريقته ، فإن الله تعالى يدرّ عليه الخيرات ، وينـزّل عليه البركات ، ويصير خير مثال للمجتمع الآمن على دينه ونفْسِه وعقله وعِرْضه وماله .

وسنة الله في عباده أن الحياة لاتطيب لهم إذا فقدوا فيها الأمان ، ولذلك فإننا نرى البشر يفرُّون من البلاد التي يُفقد فيها الأمن إلى الديار التي تتمتع به تاركين أرضهم وديارهم وأموالهم . والديار التي يُفقد فيها الأمن والأمان تُعدُّ صحراء قاحلة ، وإن كانت وارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار ، وإن البلاد التي تنعم بالأمن والإيمان تهدأ فيها النفوس ، وتطمئن فيها القلوب ، وإن كانت قاحلة جرداء ليس فيها من الغذاء ما يسد الرمق، ومن الماء مايروي الظمأ ، وإن البلاد التي يُفقد فيها الأمن كالسماء إذا فقدت نجومها ، وكالأرض إذا زالت جبالها الراسيات .

ونحن اليوم في هذا العالم المضطرب المتغيِّر ندرك قيمة الأمن والأمان ، فحروب اليوم تحرق الأخضر واليابس ، وتدمر المدن والقرى ، وتدك البيوت فوق أصحابها ، وتنشر الأمراض المستعصية ، وتحول الحياة إلى جحيم لايُطاق.

إن الله عزّ وجلّ هو خالقنا وموجدنا ، وهو سبحانه وبحمده يعلم مقدار حاجتنا إلى الأمن والأمان في هذه الأرض التي جعلها لنا وطناً وداراً ، وجهّزها لتكون صالحة لحياتنا ، وقد أخبرنا أن الأمن الأعظم يتحقق لنا إذا عِشْنا فوق هذه الأرض بالمنهـج الذي رضيه لنا ، وهو الدين القيم الذي أنزله إلينا ، والإيمان الصحيح الذي بينه لنا ، فإن حُدْنا عن منهجه حصل خلل واضطراب في التجمعات الإنسانية ، يؤدّي هذا الخلل إلى فساد وإفساد ، كما حدث للأمم التي من قبلنا عندما تركت شرعه ودينه ، وحل فيها الخصام محل الوئام : } فنسوا حظاً مما ذُكِّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة { .

والخلل الذي يُفقدنا الأمن في حال تمردنا على شريعة ربنا لايتوقف على الثمار المرة التي ينتجها اختلافنا واقتتالنا ، بل يتعداه إلى إفساد للكون الذي نعيش فيه }ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس{ .

إن هناك ارتباطاً هائلاً بين أفعالنا وأقوالنا وبين هذا الكون الذي نعيش فيه، فإذا صلحت نفوسنا وقلوبنا ومجتمعاتنا بأن حقق العباد العبودية لرب العباد ، واستقاموا على دينه ومنهجه، وأقاموا شريعته، فإن الله يفتح للعباد كنوز رحمته ، وينـزل عليهم بركات من السماء ، ويخرج لهم خيرات الأرض ، وهذا قانون عام في الأمم كلها ، فقد قال نوح عليه السلام لقومه : } فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً { .

والقاعدة العامة التي هي سنة من سنن الله في عباده تضمنها قوله تعالى : } من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون { . وأما التمرد على الله فإنه يوجب العقاب الدنيوي ، فإذا نحن تمردنا على أمر الله ، ونبذنا شرع الله ، فإننا نغضب ربنا ، وإذا غضب علينا ربنا حلّت بنا الكوارث العظام ، وأغضب الله علينا الكون ، وبذلك تدمرنا كوارثه وزلازله وبراكينه وفيضاناته وتفجيراته ، ونفقد الأمن والأمان ، قال الله تعالى : } ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّناهم في الأرض مالم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين{ .

وإذا نظرنا إلى أحوالنا وما نحن فيه من الذنوب والمعاصي ، فإننا نخاف على أنفسنا ولا نأمن مكر الله ، فنرى المتخلف عن صلاة الجماعة وبيته بجانب المسجد لم يتقدم لها ، ونرى العاقّ لوالديه وقاطع رحمه والحاسد لإخوانه والحاقد لأقربائه والمسيء في معاملته وأخلاقه لم يتغيروا عما هم عليه ، ونرى شارب الدخان والمسكرات والمخدرات ، ونرى المصرين على التعامل بالربا والغش والكذب والغيبة والنميمة وتجريح الأبرياء ، ونرى الظالمين للعمال والخدم والضعفاء ، ونرى المستهزئين بالدين وأهله ، ونرى الذين يذهبـون إلى السحـرة للإضرار بمن حولهم لأتفه الأسبـاب ، نرى كل هؤلاء وغيرهم ولم يبصروا عيوبهم ، ولم يتفكروا في معاصيهم .

فيجب علينا أن نحافظ على نعمة الأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، يجب علينا أن نرجع إلى الله بإصلاح أوضاعنا على وفق شريعة الإسلام ، وكل مسلم ومسلمة عليه من مسؤولية الإصلاح مايقدر عليه. نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الذين جاوزوا دار الظالمين ، واستقوا من عين الحكمة ، وركبوا سفينة الفطنة، ومن الذين سرحت أرواحهم في دار العُلى ، وحطت همم قلوبهم في غاية التقى ، حتى أناخوا برياض النعيم ، وجنوا من ثمار رياض التسنيم ، وشربوا بكأس الرحيق المختوم ، واستظلوا تحت ظل الكرامة الظليل .

 

إعداد :

د. محمد بن عبد الله الحلواني

 

 

آخر تحديث
3/11/2009 12:14:57 AM